نبَّه العالم الفيزيائي المعروف روبرتو باتّيستون، الذي يطلق عليه لقب “عالم الرياضيات الفيروسية” من الاندفاع العام وراء الاعتقاد بأن متحور دلتا لم يعد سارياً؛ مشيراً إلى أنه لا توجد أي أدلة على ذلك “بل من المرجَّح أن يكون هذا المتحور هو المسؤول الرئيسي عن حالات الاستشفاء والعلاج في وحدات العناية الفائقة، والوفيات التي نشهدها حالياً”.
وقال: “نحن الآن فيما يشبه المواجهة ضد جائحتين مختلفتين: واحدة بسبب متحور دلتا والثانية ناجمة عن متحور أوميكرون تتسبب في إصابات أقل خطورة؛ لكن سرعة سريانها غير المسبوقة قد تؤدي بنا إلى إقفال فعلي تام”.
وشدَّد الاختصاصي الذي كان لسنوات مستشاراً لدى منظمة الصحة العالمية، ويشغل حالياً منسَّق المرصد الوبائي الإيطالي، على أن التصدي بفاعلية لهذه المرحلة المعقدة من الأزمة الصحية، يقتضي التمييز بوضوح بين الإصابات بكل من هذين المتحورين، بحسب ما نقلت عنه صحيفة “الشرق الأوسط”.
وأوضح باتّيستون أن طغيان المتحور الجديد لا يعني أن متحور دلتا قد اختفى أو في طريقه إلى الاختفاء؛ مشيراً إلى أن البيانات الأخيرة تفيد بأن دلتا ما زال يتسبب بنسبة 20% في الإصابات الجديدة، ويواصل سريانه في جميع البلدان الأوروبية، وأنه وراء معظم الإصابات الخطرة والوفيات. وحذَّر من أنه في حال عدم اتخاذ التدابير العاجلة لتعزيز قدرات أقسام الطوارئ في المستشفيات، فستتعرض المنظومات الصحية للانهيار في غضون شهر على أبعد تعديل؛ نظراً لوجود عدد كبير من الأوروبيين الذين لم يتلقوا اللقاح حتى الآن.
وشدَّد الاختصاصي على مخاطر تخفيف تدابير الوقاية والقيود على التنقُّل؛ بحجة أن متحور أوميكرون لا يتسبب في إصابات خطرة “لأننا لا نواجه عدواً واحداً؛ بل نحن أمام متحورَين يختلف أحدهما كثيراً عن الآخر، والتركيز على المتحور الجديد من شأنه أن يؤدي لإعادة تنشيط متحور دلتا الذي هو الأكثر خطورة من المتحورات التي طرأت على فيروس كورونا المستجد حتى الآن”.
وتجدر الإشارة إلى أن تحديد المتحور الذي تنشأ عنه الإصابة يتم عن طريق التسلسل الوراثي للفيروس، وهي تقنية متطورة تطبقها الدول الأوروبية بنسبة متدنية جداً؛ مقارنة بتطور الجائحة “حيث إننا نتحرك في ظلام، ونستخدم الأسلحة نفسها ضد أهداف مختلفة جداً بعضها عن بعض”، كما يقول باتّيستون الذي يدعو إلى الاهتمام أيضاً باحتواء متحور دلتا نظراً لتداعياته الخطرة على غير الملقحين. وينبه إلى أن العودة إلى فتح المدارس، من شأنها أن تنشِّط سريانه؛ خصوصاً بين الأطفال، ما يدفع الأزمة إلى مرحلة حرجة ومعقدة جداً من الناحية اللوجستية، مع الانتشار السريع والكثيف لـ”أوميكرون”.
وتزامنا، قال خبير بريطاني رفيع المستوى بأن ظهور متغير أوميكرون قد يكون الشعاع الأول من الضوء “نحو التعايش مع كورونا” كمرض متوطن.
وبحسب صحيفة “ذا الغارديان” The Guardian البريطانية، فقد قال مايك تيلدسلي، عضو المجموعة العلمية لنمذجة الإنفلونزا الوبائية ببريطانيا (SPI – M) ، وأستاذ الأمراض المعدية بـ”جامعة وارويك”: “أوميكرون يمكن أن يكون مؤشراً على أن كورونا قد يتحول إلى فيروس أقل حدة في المستقبل مشابه لنزلات البرد”.
وتابع بالقول: “لم نصل إلى هذه النقطة بعد، ولكن من المحتمل أن يكون متغير أوميكرون هو الشعاع الأول من الضوء نحو التعايش مع كورونا. إنه، بالطبع، أكثر قابلية للانتقال من متغير دلتا، وهو أمر مقلق، لكنه أقل خطورة بكثير”. وأضاف: “نحن نأمل أن نتمكن بحلول فصل الربيع من التعايش مع كورونا كمرض متوطن وأن يصبح ذوو المناعة الضعيفة في أمان منه”.
ورغم استمرار دخول الكثير من مرضى أوميكرون إلى مستشفيات بريطانيا، إلا أن تيلديسلي أكد أن هناك جانبا إيجابيا في هذا الأمر، وهو أن “فترة البقاء في المستشفى تبدو في المتوسط أقصر، ويبدو أن الأعراض أكثر اعتدالاً الآن”.
وتشهد بريطانيا قفزة في حالات الإصابة بسبب أوميكرون في الأسابيع القليلة الماضية رغم أن معدل الوفيات أقل مما حدث أثناء موجات سابقة من المرض.
ورفض رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون حتى الآن فرض مزيد من القيود للحد من انتشار الفيروس، مراهنا على كثافة إجراء الفحوص واتساع حملة التلقيح.
وتلقى 82% من البريطانيين الذين تتجاوز أعمارهم 12 عاما جرعتين من اللقاح، فيما تلقى 60% من الفئة المذكورة الجرعة المعززة (35 مليون شخص).
يُذكر أن وباء كوفيد أودى بأكثر من 5,483,023 شخصا في أنحاء العالم. والولايات المتحدة هي الدولة الأكثر تضررا بتسجيلها 837,264 وفاة، تليها البرازيل (619,937) ثم الهند (483,790) وروسيا (316,163).
وتقدر منظمة الصحة العالمية أن حصيلة الوباء يمكن أن تكون أعلى بمرتين إلى ثلاث من تلك المسجلة رسميا.
اترك تعليقاً